الشيخ محمد بن صالح العثيمين
عقيدتنا الإيمان بالله وملائكتهوكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فنؤمن بربوبية الله تعالى، أيبأنه الرب الخالق المالك المدبر لجميع الأمور. ونؤمن بألوهية الله تعالى،أي بأنه الإله الحق وكل معبود سواه باطل. ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأنه لهالأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا. ونؤمن بوحدانيته في ذلك، أي بأنهلا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته. قال تعالى (ربالسموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) [مريم65]
ونؤمن بأنه (الله لا إله إلا هوالحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذييشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمهإلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم) [البقرة255]
ونؤمن بأنه (هو الله الذي لا إلهإلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. هو الله الذي لا إله إلا هوالملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان اللهعما يشركون. هو الله الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما فيالسموات والأرض وهو العزيز الحكيم) [الحشر 22-24]
ونؤمن بأن له ملك السموات والأرض (يخلقما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانا وإناثاويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير) [الشورى 49-50]
ونؤمن بأنه ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير . له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنهبكل شيء عليم) [الشورى 11-12]
ونؤمن بأنه ما من دابة في الأرض إلاعلى الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) [هود 6] ونؤمنبأنه (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وماتسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمت الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فيكتاب مبين) [الأنعام 59]
ونؤمن بـ(أن الله عنده علم الساعةوينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا وما تدري نفسبأي أرض تموت إن الله عليم خبير) [لقمان 34]
صفة الكلام
ونؤمن بأن الله يتكلم متى شاء بماشاء كيف شاء: (وكلم الله موسى تكليما) [النساء 164] (ولما جاء موسى لميقاتناوكلمه ربه) [الأعراف 143] (وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا) [مريم52] ونؤمن بأنه لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلماتربي) [الكهف 109] (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من ورائه سبعةأبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم) [لقمان 27]
ونؤمن بأن كلماته أتم الكلمات صدقافي الأخبار وعدلا في الأحكام وحسنا في الحديث، قال تعالى: (وتمت كلمة ربكصدقا وعدلا) [الأنعام 115] وقال: (ومن أصدق من الله حديثا) [النساء 87]
ونؤمن بأن القران الكريم كلام اللهتعالى، تكلم به حقا، وألقاه على جبريل، فنزل به جبريل على قلب النبي صلىالله عليه وسلم. (قل نزله روح القدس من ربك بالحق) [النحل 102] (وإنه لتنزيل ربالعالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربيمبين) [الشعراء 192- 195]
[العلو]
ونؤمن بأن الله عز وجل عليّ علىخلقه بذاته و صفاته، لقوله تعالى ( وهو العلي العظيم) [البقرة 255] وقوله (وهوالقاهر فوق عباده) [الأنعام 18]
ونؤمن بأنه (خلق السموت في ستة أيامثم استوى على العرش يدبر الأمر) [يونس 3] واستواؤه على العرش علوه عليه علواخاصا يليق بجلاله وعظمته لا يعلم كيفيته إلا هو.
ونؤمن بأنه تعالى مع خلقه وهو علىعرشه يعلم أحوالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويبر أمورهم، يرزق الفقيرويجبر الكسير ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذلمن يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ومن كان هذا شأنه كان مع خلقهحقيقة وإن كان على فوقهم على عرشه حقيقة (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)[الشورى 11] ولا نقول كما تقول الحلولية من الجهمية وغيرهم إنه مع خلقه علىالأرض. ونرى أن من قال ذلك فهو كافر ضال، لأنه وصف الله بما لا يليق منالنقائص.
[النزول]
ونؤمن بما أخبر به عنه رسوله صلىالله عليه وسلم أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليلالأخير فيقول: "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرنيفأغفر به."
ونؤمن بأنه تعالى يأتي يوم المعادللفصل بين العباد، لقوله تعالى (كلا إذا دكت الأرض دكا دكا. وجاء ربكوالملك صفا صفا. وجاىء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى) [الفجر21-23]
[أنواع الإرادة]
ونؤمن بأنه تعالى (فعال لما يريد) [البروج16]. ونؤمن بأن إرادته نوعان:
كونية، يقع بها مراده ولا يلزم أنيكون محبوبا له، وهي التي بمعنى المشيئة، كقوله تعالى (ولو شاء الله مااقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) [البقرة 253] وقوله (إن كان الله يريد أنيغويكم) [هود 34]
وشرعية، لا يلزم بها وقوع المرادولا يكون المراد فيها إلا محبوبا له، كقوله تعالى (والله يريد أن يتوبعليكم) [النساء 27]
ونؤمن أن مراده الكوني والشرعيتابع لحكمته فكل ما قضاه كونا أو تعبد له خلقه شرعا فإنه لحكمة وعلى وفقالحكمة، سواء علمنا منها ما نعلم أو تقاصرت عقولنا عن ذلك (أليس الله بأحكمالحاكمين) [التين 8] (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) [المائدة 50]
[المحبة]
ونؤمن بأن الله تعالى يحب أولياءهوهم يحبونه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله) [آل عمران 31] فسوفيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) [المائدة 54] (والله يحب الصابرين) [آل عمران146] (وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) [الحجرات 9] وأحسنوا إن الله يحبالمحسنين) [البقرة 195]
ونؤمن بأن الله تعالى يرضى ما شرعهمن الأعمال والأقوال ويكره ما نهى عنه منها (إن تكفروا فإن الله غني عنكمولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) [الزمر 7] (ولكن كره اللهانبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) [التوبة 46] ونؤمن بأن الله يرضىعن الذين آمنوا وعملوا الصالحات (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه)[البينة 8]
ونؤمن بأن الله تعالى يغضب على منيستحق الغضب من الكافرين وغيرهم (الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرةالسوء وغضب الله عليهم) [الفتح 6] (ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب منالله ولهم عذاب عظيم) [النحل 106]
ونؤمن بأن لله تعالى وجها موصوفابالجلال والإكرام (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) [الرحمن 27]
ونؤمن بأن لله تعالى يدين كريمتينعظيمتين (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) [المائدة 64] (وما قدروا الله حققدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموت مطويت بيمينه سبحانه وتعالىعما يشركون) [الزمر 67]
ونؤمن بأن لله تعالى عينين اثنتينحقيقيتين لقوله تعالى (واصنع الفك بأعيننا ووحينا) [هود 37] وقال النبي صلىالله عليه وسلم: "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليهبصره من خلقه." وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتين، ويؤيده قولالنبي صلى الله عليه وسلم في الدجال: "إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور".
ونؤمن بأن الله تعالى (لا تدركهالأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) [الأنعام 103]
ونؤمن بأن المؤمنين يرون ربهم يومالقيامة (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) [القيامة 22-23]
ونؤمن بأن الله تعالى لا مثل لهلكمال صفاته (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى 11]
ونؤمن بأنه (لا تأخذه سنة ولا نوم) [البقرة255] لكمال حياته وقيوميته.
ونؤمن بأنه لا يظلم أحدا لكمالعدله. وبأنه ليس بغافل عن أعمال عباده لكمال رقابته وإحاطته. ونؤمن بأنه لايعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض لكمال علمه وقدرته (إنما أمره إذا أرادشيئا أن يقول له كن فيكون) [يس 82] وبأنه لا يلحقه تعب ولا إعياء لكمال قوته (ولقدخلقنا السموت والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) [ق 38] أي منتعب أو إعياء.
ونؤمن بثبوت كل ما أثبته اللهلنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات.
لكننا نبرأ من محذورين عظيمين هما:
التمثيل، أن يقول بقلبه أو لسانهصفات الله تعالى كصفات المخلوقين.
والتكييف، أن يقول بقلبه أو لسانهكيفية صفات الله تعالى كذا وكذا.
ونؤمن بانتفاء كل ما نفاه الله عننفسه أو نفاه عنه رسو له صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك النفي يتضمن إثباتالكمال ضده، ونسكت عما سكت عنه الله ورسوله.
ونرى أن السير على هذا الطريق فرضلا بد منه، وذلك لأن ما أثبته الله لنفسه أو نفاه عنها سبحانه فهو خبر أخبرالله به عن نفسه وهو سبحانه أعلم بنفسه وأصدق قيلا وأحسن حديثا والعباد لايحيطون به علما.
وما أثبته له رسوله أو نفاه عنه فهوخبر أخبر به عنه وهو أعلم الناس بربه وأنصح الخلق وأصدقهم وأفصحهم. ففيكلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كمال العلم والصدق والبيان فلاعذر في رده أو التردد في قبوله.
فصل
وكل ما ذكرنا من صفات الله تعالىتفصيلا أو إجمالا إثباتا أو نفيا فإننا في ذلك على كتاب ربنا وسنة نبينامعتمدون وعلى ما سار عليه سلف الأمة وأئمة الهدى من بعدهم سائرون.
ونرى وجوب إجراء نصوص الكتابوالسنة في ذلك على ظاهرها وحملها على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل.
ونتبرأ من طريق المحرفين لها الذينصرفوها إلى غير ما أراد الله بها ورسوله. ومن طريق المعطلين لها الذينعطلوها عن مدلولها الذي أراده الله ورسوله. ومن طريق الغالين فيها الذينحملوها على التمثيل أو تكلفوا لمدلولها التكييف.ونعلم علم اليقين أن ما جاء في كتابالله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا يناقض بعضه بعضا،لقوله تعالى (أفلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيهاختلافا كثيرا) [النساء 82] ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضهابعضا، وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن ادعى أنفي كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما تناقضا فذلكلسوء قصده وزيغ قلبه، فليتب إلى الله تعالى ولينزع عن غيه. ومن توهمالتناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهمافذلك إما لقلة علمه أو قصور فهمه أو تقصيره في التدبر فليبحث عن العلموليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق، فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلىعالمه وليكف عن توهمه وليقل كما يقول الراسخون في العلم (آمنا به كل من عندربنا) [آل عمران 7] وليعلم أن الكتاب والسنة لا تناقض فيهما ولا بينهمااختلاف
يتبع